خلال عام من الآن.. لبنان ينزع سلاح المخيمات
شهد لبنان عدة محاولات لنزع السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات؛ المحاولة الأولى كانت بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، إذ دفعت الرغبة والمراجعات الفلسطينية اللبنانية في تجاوز نزيف الماضي، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للجيش اللبناني، وانسحاب المسلحين إلى داخل المخيمات، مع تنظيم الأمن داخلها بالتنسيق مع السلطات اللبنانية. هذه الخطوة جاءت في ظل تراجع القيادة الفلسطينية عن التعويل على الورقة اللبنانية، بالتزامن مع توجهها نحو مؤتمر سلام دولي بعد إعلان (وثيقة الاستقلال) عام 1988.
المحاولة الثانية برزت بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، حين رأى اللبنانيون فرصة لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني. فتم إدراج هذا الملف على طاولة الحوار الوطني عام 2006؛ التي أقرت إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهر، ومعالجة السلاح داخلها مع ضمان حماية الدولة للمخيمات. لكن مع اندلاع حرب يوليو 2006 علق الحوار، وبقيت المقررات دون تنفيذ، وبقي ملف السلاح الفلسطيني عالقاً خلف تعقيدات محلية وخارجية.
جدل وعودة إلى الواجهة
اليوم، عادت إشكالية (السلاح الفلسطيني في لبنان) إلى الواجهة بكل أبعادها التاريخية والسياسية والأمنية، وعاد معها الجدل اللبناني حول كيفية نزع هذا السلاح وفقاً لمنعرجات القرار 1701، ليبرز السؤال حول القدرة على تنفيذ هذا القرار!
هذا الجدل سرعان ما قطعه إعلان لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني عن إنهاء ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بشكل كامل، وتسلم الجيش اللبناني عدة مواقع كانت تحت سيطرة فصائل فلسطينية وهي: مركز سابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، مركزان سابقان لتنظيم فتح الانتفاضة، في جوار مخيم البداوي- طرابلس، مركز جبيلة عين البيضا التابع سابقاً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة في كفرزبد- زحلة.
وتسلم الجيش أيضاً مركزي السلطان يعقوب- البقاع الغربي وحشمش بين بلدتي قوسايا ودير الغزال- البقاع الأوسط التابعين سابقاً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، ومعسكر حلوة- راشيا التابع سابقاً لتنظيم فتح الانتفاضة.
ونظراً لما يشكله هذا السلاح من نقطة توتر وخلاف بين الأطراف اللبنانية بسبب تأثيره على سيادة الدولة واستقرارها، وتهديده للأوضاع الأمنية داخل المخيمات نفسها. حول هذه النقطة ومسار إقفال ملف السلاح خارج المخيمات ومصير السلاح داخلها، حملت «عكاظ» هواجس اللبنانيين إلى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور باسل الحسن؛ الذي كشف أنه «يفترض خلال عام من الآن، وإذا توفر استقرار سياسي نسبي في لبنان، بحسب التوقيت الذي وضعناه في اللجنة أن نعلن المخيمات الفلسطينية خالية من السلاح».
خطة لبنانية – فلسطينية
وعن التعقيدات المحيطة بهذا الملف الشائك وأبعاده السياسية والأمنية والاجتماعية، أفصح الحسن لـ«عكاظ» عن وجود خطة بالشراكة مع منظمة التحرير من أجل ضبط السلاح داخل المخيمات، وتفكيك بنية السلاح الثقيل بشكل كلي. ولفت إلى أن الرأي العام الفلسطيني في لبنان أصبح على يقين أن السلاح ليست له قيمة سوى أنه يتسبب بمزيد من الأضرار، وأغلب الضحايا الذين يقتلون بسبب هذا السلاح هم من اللاجئين الفلسطينيين، كاشفاً عن سقوط 100 قتيل سنوياً، إضافة إلى أضرار أخرى. وعن المسار الذي سلكته اللجنة لإنهاء ملف السلاح خارج المخيمات قال الحسن: «إن الفصائل الفلسطينية المشاركة في لجنة الحوار كانت شريكة في تنفيذ إستراتيجية نزع السلاح خارج المخيمات، ومسألة السلاح داخل المخيمات ستكون أيضاً بالتفاهم مع الفصائل الفلسطينية، وبالتالي ليست هناك أي إشكالية مع الفصائل في المسارات المتعلقة بالسلاح داخل المخيمات. بالطبع هناك تباينات ولكنها لا ترقى إلى حد الاعتراض على مسألة حل السلاح».
وحول نزع السلاح جنوب الليطاني، قال: «رغم عدم تبليغ الفصائل الفلسطينية بأي قرار يتعلق بنزع السلاح داخل مخيمات جنوب الليطاني، إلا أن هذه المسألة حسمت من خلال لجنة الحوار والدولة اللبنانية منذ الشهر الثالث للحرب، فإذا كان سحب السلاح جنوب الليطاني يسري على أحزاب لبنانية، فبالتالي سيسري على الفصائل الفلسطينية. والتبليغ سيتم عبر القنوات الرسمية؛ أي أن الجيش اللبناني المكلف تطبيق القرار 1701 جنوب الليطاني سيقوم بتطبيقه في الوقت الذي يراه مناسبا، وأجزم أن الفصائل الفلسطينية الموجودة ستنفذ مباشرة، وسيلتزمون بقرار الدولة اللبنانية».
وأفاد الحسن بأن اللجنة منذ عامين بدأت بالعمل على مسارين متوازيين؛ المسار الأول بدأ عام 2023 مع بداية تنفيذ المرحلة الأولى من خطة تفكيك السلاح خارج المخيمات في منطقة البداوي التي تم الانتهاء منها. والمسار الثاني يتعلق بالحقوق المدنية للاجئ الفلسطيني، لافتاً إلى أنه في عام 2023 تبنى عشرة نواب مقترح قانون يتعلق بحق التملك، وحق العمل للاجئ الفلسطيني في لبنان، وهنا على الدولة اللبنانية واجب إقرار هذا القانون، وتطبيق المسار المرتبط بالحقوق الإنسانية للاجئين، وحماية تقديمات وكالة (الأونروا) وخدماتها، وبالوقت ذاته عدم المساس بمقدمة الدستور التي تتعلق برفض التوطين.
مسار السلاح الفلسطيني في المشهد اللبناني
بدأ حمل السلاح بالمخيمات الفلسطينية في لبنان مع نكبة 1948، حين وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة أوضاع أمنية هشة. ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وازدياد النشاط الفدائي، تحول السلاح إلى (أداة نضالية) لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
وفي عام 1969، شهد نقطة تحول مع توقيع اتفاق القاهرة الذي منح الفلسطينيين حق إدارة المخيمات، بما في ذلك حمل السلاح. هذا الاتفاق جاء في ظل تصاعد العمليات الفدائية من الأراضي اللبنانية ونمو نفوذ الفصائل، لكنه أثار جدلاً كبيراً حول تأثيره على سيادة الدولة اللبنانية، وتسبب بتوترات حادة واشتباكات متكررة بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية، بلغت ذروتها خلال الحرب الأهلية.
وفي عام 1989، جاء اتفاق الطائف لينهي الحرب الأهلية اللبنانية، متضمناً بنوداً لإعادة بناء الدولة، كان أبرزها نزع سلاح المليشيات، غير أن هذا البند بقي غير مطبق على المخيمات الفلسطينية، ما أدى إلى استمرار الخلاف حول سلاح المخيمات، إذ يرى البعض أنه يشكل تهديداً لسيادة الدولة، بينما يراه آخرون ضرورة لضمان الحماية في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
اليوم، يستمر وجود السلاح داخل المخيمات الفلسطينية بدرجات متفاوتة، وتتقاسم الفصائل الفلسطينية السيطرة عليه وفق مناطق نفوذها. وعليه، لا تزال هذه القضية تثير مخاوف اللبنانيين، فهل يكون لبنان خالياً من سلاح المخيمات بعد سنة من الآن؟.
صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.