خلود-الغربي:-الفرح-مستحيل-في-ظل-ما-يجتاح-العالم-من-حزن

خلود الغربي: الفرح مستحيل في ظل ما يجتاح العالم من حزن

النسيان

نفسه لا يمكن أن يحد من وطأة الألم والحزن الذي يجتاح العالم

أكدت الباحثة التونسية خلود الغربي، أن النسيان يمكن أن يجعلنا نتأقلم ونوفر وسيلة للنجاة، إذ كل نسيان هو محاولة للمصالحة بين أنفسنا القديمة وأنفسنا الجديدة، إلا أن النسيان نفسه لا يمكن أن يحد من وطأة الألم والحزن الذي يجتاح العالم اليوم، ولا يمكن أن يغير ما وقع فعلا وربما يمكننا أن نتناسى، وأن نتظاهر بنسيان ولكن لا يمكننا محو صور ما يحدث في العالم من قتل ونهب ومجاعة، ويمكن أن نجيل أبصارنا في «بشعات الفعل الإنساني»، ولكن لا يمكننا أن نرفض وجوده.

وتساءلت: كيف السبيل إلى التحرر والخروج من حيز الألم، ومن كل الأشكال الأخرى المغايرة للسعادة والمناقضة لها؟ وأوضحت، أن رسالة الكندي في الحيلة لدفع الأحزان تؤكد على أنه: «ينبغي أن نجتهد في الحيلة للتلطف لتقصير مدة الحزن».

إن قصرنا في ذلك، كنا مقصرين في مهمة دفع البلاء، الذي يمكننا دفعه وهذه إمارة الجاهل الشقي الفظ الجائر؛ لأن الجائر؛ من دام عليه البلاء، وأشقى الأشقياء؛ من لم يجتهد في دفع البلاء عن نفسه، بما أمكنه دفعه، لافتةً إلى أنه ينبغي أن لا نرضى بأن نكون أشقياء، ونحن نقدر على أن نكون سعداء، كونه ليس مقدّراً علينا أن نعيش في حالة مناقضة للسعادة، فتكون النفس فيها تعيش «الشقاء» ولا تقدر على دفع الأحزان عنها؛ فإذا رضينا بها، فنحن من الجهلة الأشقياء ما دمنا مقصرين في تحقيق سعادتنا.

وعدت الحزن نوعاً من أنواع الألم، وليس هو الصراط الواحد الذي لا مخارج له، فنحن نقدر على الخروج منه إن نحن علمنا بالأسباب. وأضافت على حد عبارة الكندي: «إن كل ألم غير معروف الأسباب، غير ممكن الشفاء، فينبغي إذن أن نبين ما الحزن وأسبابه، لتكون أشفيته ظاهرة الوجود، سهلة الاستعمال».

وترى أن العلم بالأسباب، وتحديدها، ومعرفة أصلها هو بالنسبة إلى الكندي (العلاج المناسب) فلا يمكن أن نحضر ترياق العلاج إلا إن نحن عرفنا مصدر الداء، فإذا عرفناه عرفنا كيفية التعامل معه. ويصنف الكندي الألم إلى نوعين؛ منه ما هو متعلق بالجسد، ومنه ما هو متعلق بالنفس. وإن كان ألم الجسد يمكن علاجه طبياً، فإن ألم النفس كذلك يمكن شفاؤه، والحزن إما أن نكون نحن سببه، وإما أن يكون الآخر سببه. ويقول الكندي: «ومن الأدوية السهلة: أن نفكر في الحزن، ونقسمه إلى أقسامه، فنقول: إن الحزن لا يخلو إما أن يكون فعلنا، أو فعل غيرنا، فإن كان فعلنا، فينبغي أن لا نفعل ما يحزننا، فإن فعلنا ما يحزننا فالإمساك عن فعله.. وإن كان المحزن لنا غيرنا، فلا يخلو من أن يكون دفعه إلينا، أو لا يكون دفعه إلينا، فإن كان دفعه إلينا، فينبغي أن ندفعه ولا نحزن، وإن لم يدفعه فلا محزن».

ولفتت إلى أن الحزن يحصل عادة بسبب تمسكنا بالقنية الحسية والمحبوبات الحسية والطلبات الحسية، وهي كلها عارضة، ويمكن فسادها وزوالها، فوجب علينا أن نهتم بما هو أبقى ولا نهتم بما هو زائل.

وذهبت إلى أن الدِّين تحوّل إلى تقنية لصناعة السعادة، إلا أنها سعادة من نوع آخر؛ سعادة أخروية يتوجه إليها كل من لم يستطع تحقيق ذاته في الواقع، إذ إن الفرد الأكثر سعادة هو الفرد الأكثر إيمانا والأكثر طاعة، والدِّين يمكن أن يرتقي بالنفس إلى درجة أخرى من الوعي، ويفتح منابع النفس تاركا كل ما من شأنه أن يربط مع الكون والفساد ومتجها نحو تجربة روحية عميقة تنكشف فيها النفس لنفسها، ويمكن أن نرى سر السعادة في الثراء وتعدد المعاني، فكلها تجارب مختلفة تمر بها الروح من أجل تحصيل معنى جديد مختلف عن رتابة الواقع، طبعا يختلف شكل الطقس الذي تقوم النفس من تجربة إلى أخرى، ولكن المثير فعلا هو عملية الخروج والمغادرة إلى أفق جديد.

الدِّين تحوّل إلى تقنية لصناعة سعادة أخروية

وأكدت أن الخطير في الأمر هو أن تكون سعادتنا هي السبب في فناء القيم البشرية؛ فما يحدث من قتل وإرهاب اليوم باسم الدين وتحت اسم الإله، يجعلنا في حالة من القلق والتذبذب على مستقل الإنسان.

ونبهت على أن الذوات العربية تعاني حالة من الفراغ الروحي العميق؛ لأنها لا تسير وفقا لمخطط ما، بل هي تتحرك فقط في اتجاه التيار، تسير أينما يأخذها مجرى النهر، هي لا تتحرك كي تبلغ هدفا ما أو غاية ما؛ كل ما تفعله هو محاولة النجاة والفرار، نحن اليوم لا نتجه إلى لب مشاكلنا، بل نظل ندور حول ثواني الأمور، وكأننا نتهرب من الوقوف أمام أنفسنا، مضيفة حتى وإن لم نر ما يعبر عن السعادة اليوم، إلا أننا لا ينبغي علينا الكف عن المطالبة بها؛ لأنها القيمة الأساسية التي تقيم مفهوم الإنسان؛ فإذا نحن كففنا عن طلبها، فإنها ستمحى شيئا فشيئا من ذاكرة الإنسان وتدخل حيز النسيان.

صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك