كيف يمكن للإمارات تحقيق مزيد من الإلتزام باللوائح الدولية ومواصلة الازدهار كمركز عالمي للأعمال؟
أعاد تقرير منشور مؤخراً عن دبي، بعنوان: «مفاتيح دبي – Dubai Unlocked»، عاصمة الأعمال التجارية العالمية إلى بؤرة الاهتمام، ويعد التقرير أو «التحقيق» عملاً مشترك أجرته 70 وسيلة إعلامية دولية، تناولت فيه تحليل بيانات مسربة عن الملكية العقارية بدبي.
واستناداً لهذه البيانات المسربة، والتي تم دراستها من قبل مرصد الضرائب التابع للاتحاد الأوروبي ومركز الأبحاث الضريبية في النرويج، فإنَّ نحو 200 شخص تم إصدار أحكام قضائية ضدهم يمتلكون زهاء الـ 1000 عقار في دبي.
ويعد التهرب من الأحكام القضائية قضية سياسية عاودت الظهور – مؤخراً، لتتصدر النقاشات في الغرب، خاصةً بعد بدء إندلاع الأزمة الروسية ومحاولة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم فرض حزمة عقوبات موسعة على الأفراد والمؤسسات الروسية.
من ناحية أخرى، شرعت سويسرا في التحقيق بشأن الأنشطة والأعمال لشركة «باراماونت إنرجي & كوموديتيز»، Paramount Energy and Commodities SA، ومقرها العاصمة السويسرية «جنيف»، ومدير هذه الشركة ويُدعى نيلز تروست، الذي يواجه تهمة التهرب من عقوبات تفرضها سويسريا بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع، على النفط الروسي. وفي المقابل، تنكر شركة «باراماونت» أية صلة بين مكتبها بجنيف وشركة تابعة مسجلة بدبي، والتي يتطابق اسمها مع شركة باراماونت للطاقة والسلع، فيما يرى الصحفيون الاستقصائيون بمنظمة التحقيق السويسرية «بابليك آي- Public Eye» خلاف ذلك.
ووفقا للتحقيقات التي أجرتها بابليك آي، فإنَّ شركة «بارامونت» تستحوذ على كافة الأنشطة التجارية للشركة السويسرية الأم، الأمر المثير للقلق والذي يدعو للريبة، ناهيك عن التطابق الواضح بين إسمي الشركتين، فضلاً عن أنَّ الإمارات لم توقع على اتفاقية العقوبات ضد روسيا، مثلما فعلت باقي الدول الخليجية، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أنه عندما تتبع المسؤولون في بريطانيا الأرباح إلى الشركة التابعة، باراماونت إس إيه، ومقرها العاصمة السويسرية جنيف، تم تصنيف القضية على أنها تهرب من العقوبات، وتم إدانة كل من نيلز تروست ومدير الشركة الإماراتية التابعة، فرانسوا إدوارد مورون، بإنجلترا.
يشار إلى وقوع هذه الأحداث في فبراير 2024، عندما أدرجت الحكومة البريطانية نيلز تروست وسويس باراماونت على قائمة العقوبات الخاصة بها، بعد فرضها عقوبة مماثلة على «دبي باراماونت» في شهر نوفمبر عام 2023.
وجدير بالذكر، أن هذه ليست المرة الأولى التي تخضع سويسرا والإمارات للتدقيق، فقد سبق وواجهت سويسرا انتقادات على مدى عقود لإيوائها المجرمين وحمايتها الهاربين من أحكام وعقوبات القانون الدولي أو قانون الدول الشريكة، وذلك خلف ستار قوانين السرية المصرفية الغامض ومتذرعة بضرورة سرية الأعمال وعدم الإفصاح عن هويتها، ليتوافد إليها النخبة الفاسدة ومجرمي الحرب والطغاة والسياسيين الفاسدين لإخفاء وتهريب ثرواتهم غير المشروعة. ومؤخراً تعهد الحكومة السويسرية بمزيد من الشفافية فيما يتعلق بقضية نيلز تروست، ولكن حتى الآن لم يتم إحراز أي تقدم بعد مع استمرار أعمال تروست بحرية من مقر الشركة بجنيف، ليضيف لأنشطته التجارية تجارة الحبوب من خلال شركة هارفست للبضائع- Harvest Commodities SA، ومقرها سويسرا، والتي شرعت في نقل البترول مستخدمة نفس الطرق ونفس السفن التي تستخدمها لنقل الحبوب، كما تورط رجل الأعمال الكازاخستاني ألماز ألسينوف وشقيقته أنيل ألسينوفا، والذي أصبح مليونيراً فجأة ويقيم في سويسرا بعد أن كان أحد أبطال لعبة الجودو، ناهيك عن تورط رجل الأعمال موريس تايلور، ومن المؤكد أن الشركة نفسها ستواجه نفس المصير في المستقبل القريب، أي تحقيقات مشابهه.
ووفقا للمقالة، فإنَّ الإمارات نفسها تخضع لمطالب الجماعات الحقوق، رداً على عدم استجابتها لتطبيق كثير من العقوبات والقيود المفروضة على هؤلاء الأشخاص المدانين دولياً، ورغم نجاح الإمارات في إحداث تحولات سياسية وإدخال بعض التحسينات السياسية والحقوقية، إلا أن أغلب السياسة الداخلية للإمارات تتعارض مع سياسة حلفائها وأصدقائها من الغرب.
واستناداً إلى «تسريبات باندورا» الشهيرة التي ساهمت في الكشف عن تمويلات غير مشروعة لسياسيين، ومؤسسات غسيل الذهب التي تجريها عصابات تهريب الذهب بجنوب إفريقيا، وتسريبات سابقة، فقد تضررت سمعة «دبي» بشكل متكرر، وهو أمر ليس في صالحها.
وبناءًا على هذه النتائج، وضعت فرق العمل المعنية بالإجراءات المالية التابعة لمجموعة السبع «FATF» الإمارات على «القائمة الرمادية» استناداً لنقاط ضعفها في سياسات مكافحة غسيل الأموال، ما يعني مزيد من الرقابة على ممارساتها. كما حذا الاتحاد الأوروبي حذوه فأضاف دولة الإمارات إلى قائمة «الدول الثالثة عالية المخاطر».
كما تكرر اسم شركة «إس إف إم- SFM» للخدمات، ومقرها دبي، في أوراق «باندورا» كطرف مساعد وعامل تمكين لمخططات غسيل الأموال عبر الحدود، فقد ثبت تأسيسها ما يقرب من 3 آلاف شركة على مدار 20 عامًا لإخفاء المصالح التجارية لما يسمى بـ «الأشخاص المكشوفين سياسيًا».
وبالنسبة للأخوان «جوبتا»، اللذان نجحا في اختلاس أموال عامة تقدر بنحو 26 مليار دولار في جنوب إفريقيا، وتم تهريبها إلى دبي في 2018، ولكن الإمارات وقعت معاهدة تسليم المجرمين الفارين مع جنوب إفريقيا في 2021، واعتقلت أتول وراج.
وعلى النقيض من ذلك، ومن أجل حذفها من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، انخرطت دولة الإمارات العربية المتحدة بحق في برنامج إصلاحي ووقعت على اتفاقيات دولية مختلفة.
وفي أوائل عام 2024، حصلت الدولة على حسن نية مجموعة العمل المالي (FATF) وحصلت على الثناء على التحسينات التي أجرتها بناءً على إرشادات المنظمة.
لكن الامتثال على جبهة واحدة لا يعني دعم جميع السياسات الغربية، التي لا تزال غير مدعومة في جميع المجالات. وبعد أن فقدوا إمكانية الوصول إلى الأسواق الغربية، قرر عدد من رجال الأعمال والشركات الروسية الانتقال إلى الإمارات العربية المتحدة، مما أدى إلى مضاعفة الصادرات الروسية إلى البلاد منذ عام 2022. وكانت الاستثمارات الروسية في سوق العقارات في دبي جديرة بالملاحظة بشكل خاص، حيث تم إنفاق أكثر من 6 مليارات دولار أمريكي منذ ذلك الحين. 2022.
وحاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها التودد إلى الإمارات العربية المتحدة، بل والضغط عليها في بعض الأحيان، للوقوف وراء أنظمة العقوبات الدولية والاضطلاع بدور نشط في الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن دون جدوى حتى الآن، مما يقوض في كثير من الأحيان قدرات الحلفاء الغربيين على تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
ومع التخطيط لأن تصبح اللوائح السويسرية أكثر شفافية في المستقبل القريب، ربما أصبحت الإمارات العربية المتحدة بالفعل “سويسرا الجديدة” لأولئك الذين يفضلون قدرًا كبيرًا من السرية في تعاملاتهم التجارية. وتجتذب سرية أعمالها الروس وأولئك الذين يأملون في التجارة معهم، الأمر الذي يثير حفيظة صناع السياسات الغربيين الذين يأملون في فرض العقوبات.
هدف مجموعة العمل المالي هو مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة. وباعتبارها منظمة مراقبة عالمية، يمكن أن يكون لإدراج مجموعة العمل المالي آثار حقيقية على السمعة، وبالتالي على تدفق الأعمال إلى بلد ما. ويمكن للقائمة الرمادية المستدامة، التي لا يزال من الممكن أن تجتذبها دولة الإمارات العربية المتحدة في المستقبل، أن تقلل من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وأن يكون لها تأثيرات على المنطقة على نطاق أوسع، مما يؤدي إلى انخفاض متوسطه 7.6٪ في الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وينبغي أن تكون الاستجابة لهذه التحذيرات جزءاً من أي سياسة اقتصادية سليمة.
صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.